5. الواقعية :
المراد بالواقعية في شريعة الإسلام: أنها تراعي واقع الحياة التي يعيش فيها الإنسان، فالشرائع التي في الإسلام ملائمة لفطرة الإنسان وواقعه وحياته، ولهذا فهي الشريعة القادرة على إسعاد البشرية كلها.
فكل عقائد الإسلام ليس فيها شيء غير واقعي، فالإيمان لابد أن يكون بإله واحد لا شريك له حتى تجتمع حواس الإنسان وإرادته وتكون كلها لله سبحانه.
والإيمان في شريعة الإسلام عقيدة واقعية، فالمؤمن لا يحكم بإيمانه إلا إذا قام بالعمل واجتهد، فالإيمان قول واعتقاد وعمل. والرسول في عقيدة الإسلام بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. والقرآن كلام الله المنزل على رسوله المتعبد بتلاوته، وحروفه وألفاظه من الله تعالى. فليس في شريعة الإسلام وعقائده ما يستغرب أو ما هو مثالي لا يمكن أن يتلائم مع واقع البشرية.
إن الأديان والفلسفات الوضعية والديانات المحرفة لم تكن واقعية، لأنها لم تلب حاجات البشرية ولم تسعدها، والواقع يشهد بهذا. لقد جاء الإسلام بعبادات واقعية. لأنه عرف ظمأ الجانب الروحي في الإنسان إلى الاتصال بالله، ففرض عليه من العبادات ما يروي ظمأه ويشبع نهمه ويملأ فراغ نفسه. فقد قضى الله أن في الإنسان جوعة لايسدها إلا الإيمان بالله والصلة به. {ألايعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }؟ [الملك: 14]. بلى سبحانه.
ومع هذا لم يشرع له عبادات فوق طاقته، بل جعلها ميسرة سهلة، قال عز وجل: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير } [الحج: 78].
ومن واقعية الإسلام أن جعل محفزات ومرغبات للعمل الصالح، ومرهبات ومنفرات عن العمل السيء، لأن الإنسان بفطرته وطبيعته لا يحركه إلى الخير ولا يبعده عن الشر إلا شوق يحفزه ويدفعه، أو خشية تحجزه وتمنعه، وليس كالشوق إلى مثوبة الله وجنته والنظر إلى وجهه حافز، ولا كالخوف من عذابه وبطشه وانتقامه حاجز ومانع.
من واقعية شريعة الإسلام أنها لم تحرم على الإنسان شيئاً هو في حاجته، وكذلك لم تبح له شيئاً يعود عليه بالضرر، قال عز وجل: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } [الأعراف: 31-32].
ومن واقعية شريعة الإسلام أنها أقرت بأن الإنسان مفطور على الميل إلى اللهو والمرح والترويح عن النفس، فضبطت ووجهت تلك الغريزة، ولم تمنعها وتكبتها، بل هذبتها، فأباحت كل لهوٍ ليس فيه محرم وصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وحرمت ما اشتمل على ضد ذلك، كالغناء بآلات اللهو والطرب والموسيقى والكلام الفاحش البذيء، وأباحت الشعر والإنشاد بالدف وبالكلام المباح.
وقد غنت جاريتان بالدف عند عائشة رضي الله عنها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهرهما أبو بكر وأنكر عليهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيد ) رواه البخاري ومسلم.
وقال أيضاً
لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَة ) قال في كشف الخفاء: رواه أحمد بسند حسن.
وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للحبشة أن يلعبوا في مسجده بالحراب.
6. الوضوح والسهولة:
مما تميزبه الإسلام الوضوح في عقيدته وشريعته وأحكامه، يفهمهما البلي والذكي والجاهل والعالم، وليس فيها ألغاز ولا مبهمات، ولا يوجد في الإسلام كما في غيره من الأديان كالنصرانية "اعصب عينيك واعتقد "، بل يعتقد وهو يعلم ماذا يعتقد. يعتقد بأن إلهه واحد، وهو الله سبحانه وحده الذي تصرف له العبادة دون ما سواه، وهو وحده الذي تطلب منه الحاجات، وهو وحده الذي بيده الضر والنفع.
من وضوح هذه العقيدة: أن كل الغيبيات التي أخبر الله عز وجل بها من أمر الآخرة كالجنة والنار وما فيهما من نعيم أوعذاب. وكذلك صفات الله سبحانه، كلها معقولة، تدرك العقول معناها وإن كانت لا تدرك كيفيتها لأنها غيب، قال عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 11].
ومن وضوح هذه الشريعة: أن جميع عباداتها سواء البدنية أو المالية كلها معلومة وواضحة؛ فالصلوات خمس في اليوم والليلة والصيام هو شهر واحد في رمضان، والزكاة معلومة مقاديرها وأنصبتها، والحج معلومة أركانه وشروطه وواجباته، يعرفها كل من تعلمها ولا تعجز العقول عن فهمها.
وأخيرا فإن من وضوح هذا الدين: أن قراءة دستور هذه الأمة ومصدر تشريعها وهو القرآن الكريم وحفظه وفهمه ميسر سهل لكل راغب، قال عز وجل: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } [القمر: 40].
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم محفوظة بالإسناد، وسيرته مضبوطة محررة. ومن هذه المصادر يؤخذ الإسلام، وإليها يرجع عند الاختلاف. وهذا كله مما لم يتوافر لدين من الأديان.